اللهم صل على محمد وال محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن التربية المثلى تسمو بالطفل المسلم إلى عالم القيم العليا..
فتشرقُ روحُه بالخير.. وتتحلّى نفسه بالحق.. ويعبق قلبُه بالحب..
ويستغرقُ عقله في شهودِ الجمال فمن الواضح أنّ الأقربين أولى بالمعروف ،
ثمّ من أفضل المعروف الأدب ، وهو بمعناه العامّ : حسن الهيئة وظرافة العمل ،
فالأولى به من هو قريب منك ، وأقرب الناس إليك أولادك ، فإنّ الولد فلذة الكبد ( أولادنا أكبادنا ) ،
فهو أولى من غيره بالنسبة إلى كسب الأدب وتعلّمه من قبلهما أوّلا ،
وإنّ من وظائف الآباء ومن حقوق الأبناء عليهم هو تعليمهم الدين والآداب والأخلاق الطيّبة والعلوم النافعة ، وذلك منذ الصغر ومن اليوم الأوّل ،
فعلى الآباء والاُمّهات تربية أولادهما ذكوراً وإناثاً تربيةً صالحةً ،
توجب المباهاة والفخر والاعتزاز ، وتدخل البهجة على القلوب ،
والسرور على النفوس ، وإنّ أوّل من ينتفع من ثمر التربية ويستظلّ تحت شجرتها هم الآباء والاُمّهات .
فمن أهمّ ما يجب على الأبوين بالذات هو تربية الأولاد تربية سليمة وصالحة ، وهي التربية الإسلامية النابعة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ،
فمَن يطالع الإسلام ونظامه التربوي ويقيسه بالأنظمة والبرامج الاُخرى يرى بوضوح عظمة التربية الإسلامية وسلامتها وشموخها وأصالتها .
فيجب عقلا وشرعا ًـ على الآباء والاُمّهات أن يبذلوا كلّ ما في وسعهم من أجل تربية أرواح أولادهم ، وتهذيب أخلاقهم ، وتصفية بواطنهم ،
وتنوير قلوبهم ، وتعليمهم الآداب الفردية والاجتماعية ،
وذلك منذ نعومة أظفارهم ، فإنّ التعلم في الصغر كالنقش على الحجر ،
ومن أتعب نفسه أيام شبابه استراح أيام شيبته .
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام) : إنّما قلب الحدث ـ أي الشاب المراهق ـ كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك .
وهذا يعني أنّه لا بدّ من المبادرة والسرعة في تعليم الأولاد وتأديبهم ; لأنّ القلب سرعان ما يقسو ، وإنّما قساوة القلب يكون بالذنوب ،
أي قبل أن يذنب الطفل ويصل إلى سنّ التكليف والرشد على الوالد أن يبادره بالأدب ،
وقبل أن يشتغل فكره وتأخذه العواصف يميناً وشمالا على الوالد أن يبادره بالعلم . فإنّ قلب الحدث الطفل أو الشاب المراهق كالأرض الخالية من الزرع،
وهي خصبة وقابلة لكلّ زرع ،
فإن زرعته حنطة فإنّما تحصد الحنطة التي تقوّي الإنسان وتنشّطه ، وإذا زرعت الحنظل فإنّك تحصد الحنظل المرّ ، وهذه من سنن الحياة والطبيعة ،
فلا بدّ من الأدب الصالح والعلم النافع في السنين الاُولى من حياة الأولاد .
يقول لقمان لولده : يا بني ، إن تأدّبت صغيراً ، انتفعت به كبيراً.
وهذا النفع لا ينحصر على من تأدّب بل ينتفع به الآخرون أيضاً ، كما لا ينحصر بالدنيا بل حتّى ينتفع منه الإنسان في الآخرة أيضاً .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتّى يدخلهم الجنّة ، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ولا خادماً ولا جاراً . ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيّئ ،
حتّى يدخلهم النار جميعاً ، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً .
وهذا يعني أنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فمن كان فاقد الإيمان والآداب وكان من العصاة ، فكيف يمكن أن يعطي لغيره الإيمان والأدب ؟ وكيف يورث أهل بيته الأدب الصالح والعلم النافع ؟ ! بل سيورثهم الأدب السيّئ ،
ونتيجة ذلك وما يحصده هو دخول النار ، وبعبارة اُخرى : الشقاوة ، لأنّ الذين شقوا ففي النار هم فيها خالدون ، كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : ( فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ) .
أمّا المؤمن بالله ورسله واليوم الآخر فإنّه لا يزالـ وهذا يعني الاستمرار في العملـ يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح فيجمع شملهم حتّى يدخل الجميع الجنّة ،
أي يسعدون في حياتهم وبعد مماتهم ، فإنّ الله سبحانه يقول : ( وَأمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ )(3) . فالأدب يوجب السعادة في الدنيا والآخرة .
...من مجلة مداد الثقافية...
تصدر عن العتبة العباسية المقدسة
موفقين